لماذا ما زلنا متخلفين و ما زالت ثقافة اللهطة و الشمتة مهيمنة و تتجلى في ظاهر انتصار مرتزقة العمل السياسي؟
هذه محاولة بسيطة للفهم و هي جزء من الورقة السادسة لتفكيك المركب المصالحي..
مرت الإنسانية من أربع مراحل حضارية و لا يجب الخلط ما بين الامبراطوريات و الحضارة و الثقافات.
هناك حضارة الصيد و الرعي التي دامت ما يقارب ثلاثين ألف سنة و هي مرتبطة بنمط إنتاج خلق المجتمع القبلي و ثقافة السبي و الحرب و الدفاع عن المرعى حيث دور المقاتل و الصياد اساسي في تدبير شؤون القبيلة مع الشيخ و العراف.
نفس الشيء بالنسبة لنمط الإنتاج الزراعي الذي أذى إلى قيام أنظمة ملكية مركزية و إمبراطوريات تتحكم في مناطق شاسعة من المعمورة. الحضارة الزراعية التي دامت عشرة الف سنة و تميزت بمخازن المنتوج الفلاحي و بتنظيم الحكم المركزي الملكي و بدور الكاهن الذي ينظم طقوس المواسم. حيث بدأ تغير الولاء من الدم و العرق إلى العائلة المالكة المركزية و ظهر بقوة دور الفلاح في عملية الإنتاج بحيث خفت الإبادة الجماعية للقبائل و الشعوب المهزومة مقابل استعبادها و دمجها في دورة الإنتاج بالنظام الاقطاعي كما بدأت تظهر بالموازاة مع ذلك الديانات التوحيدية.
هناك الحضارة الصناعية مع تطور البرجوازية الحضرية الحرفية و تراكم الراسمال في يدها مع امتلاكها وسائل الإنتاج. مع أهمية السوق اللازم لتسويق المنتجات الصناعية هيمنة الثقافة (الامبريالية) الجديدة تقافة التعددية الدينية و السياسية و النظام الجمهوري الدمقراطي.
اليوم نحن نشهد الارهاصات الأولى لظهور حضارة مجتمع المعرفة بعولمته الشمولية و مجتمعه المفتوح و تجارته العالمية و قيمه الجديدة التي لم تعرف لها البشرية مثيل.
لنلخص اذا: وراء كل حضارة نمط إنتاج ينتج ثقافة بتقاليد، أعراف، قيم، معايير، لغة، دين و تنظيم مجتمعي و نظام حكم سياسي. اذا كان جوهر الحضارة الإنسانية واحدا مرتبطا بنمط الانتاج فأن الثقافات كانت تختلف حسب البيئة الطبيعية من تضاريس و مناخ. فكل التقافات القبلية انتجت لغة و دين و أعراف متقاربة و لكن التنظيم المجتمعي القبلي كان هو نفسه في كل أنحاء العالم الا في بعض المناطق ذات البيئة الخاصة جدا. و الجدير بالذكر أن أنماط الإنتاج الأربعة كانت دائما متواجدة مع هيمنة نمط واحد خلال كل مرحلة حضارية و رغم الانتقال من مرحلة إلى مرحلة يبقى صدى المنتوج الثقافي للمرحلة السابقة مؤثرا بدرجة كبيرة و لا يندثر صداه ابدا في لا وعي كل الشعوب.
للإجابة على سؤالنا الأول فإني اعتقد ان تقافة القبيلة و اللهطة و النهب و السلب و إلغاء الآخر ما زالت مهيمنة في فضائنا السياسي و اننا ما زلنا بعيدين عن الحضارة الزراعية و الحضارة الصناعية التي انتجت أعراف الدولة المركزية المستقرة التي تحقق تراكم الثروة و الراسمال في مخازنها و أبناكها عوض ان يهرب خارج حدودها و لكن قريبا سيفرض على الأوليغارشيات الحاكمة احبوا ام كرهوا الانتقال لمجتمع المعرفة فما بداية المراقبة لتبييض الأموال و فضح جرائم تهريب الثروات الى الملادات الضريبية و المناطق الرمادية إلا بداية المسلسل..