تقديم مدرسة نوبير الاموي

من محاكمته على خلفية استجواب البايس و مطالبته بملك يسود و لا يحكم مع الاساتذة الاجلاء المرحومين الصبري و بوزبع و الاستاذ طبيح اطال الله عمره...

الخميس، 26 يونيو 2025

رهانات المسألة الثقافية والسياسة الثقافية في الدولة الوطنية الديمقراطية



رهانات المسألة الثقافية والسياسة الثقافية في الدولة الوطنية الديمقراطية

مقدمة

تمثل المسألة الثقافية أحد التحديات المركزية التي تواجه الدولة الوطنية الحديثة، لا سيما عندما تسعى هذه الدولة إلى تكريس نموذج ديمقراطي يقوم على التعددية، المشاركة، وحقوق الإنسان. في هذا السياق، تصبح السياسة الثقافية أداة استراتيجية في ضبط العلاقة بين الهوية، السلطة، والفضاء العمومي، وبين التنوع والانتماء الوطني. تتقاطع هذه الرهانات مع قضايا بناء الدولة، العدالة الاجتماعية، الأمن الرمزي، والتحديث.

أولاً: المسألة الثقافية في الدولة الوطنية

منذ تشكّل الدولة الوطنية الحديثة في أعقاب الحركات الاستقلالية أو الثورات التحديثية، طرحت الثقافة كساحة صراع بين مكونات المجتمع، من جهة، وبين الدولة والمجتمع، من جهة أخرى. وتظهر المسألة الثقافية في مظاهر عدّة:

  • صراع الهوية بين مكونات لغوية، دينية، أو عرقية متعددة داخل الوطن الواحد.

  • إشكالية التراث والتحديث: هل يجب أن تنبع الثقافة من الجذور أم أن عليها أن تنفتح على الحداثة العالمية؟

  • علاقة الثقافة بالسلطة: هل الثقافة أداة تعبير حر أم أداة هيمنة رمزية؟

في هذا السياق، تتحول الثقافة من مجرد ممارسة رمزية إلى رهان سياسي واجتماعي، تتوقف عليه وحدة المجتمع واستقراره.

ثانياً: رهانات المسألة الثقافية

1. رهان الهوية

في مجتمعات متعددة، تسعى الدولة الوطنية إلى بناء هوية جامعة دون إقصاء الهويات الفرعية. ولكن، غياب الإنصاف الثقافي قد يؤدي إلى الإقصاء، التهميش، أو حتى الانفصال الرمزي.

2. رهان الديمقراطية التعددية

في ظل الديمقراطية، لا يجوز فرض نموذج ثقافي وحيد على الجميع. بل يجب احترام التعدد، وتشجيع التعبير الثقافي الحر والمتنوع، بما يعكس روح المشاركة والمواطنة المتكافئة.

3. رهان العدالة الرمزية

تقتضي العدالة الثقافية الاعتراف بحقوق المجموعات في لغتها، ذاكرتها، سردياتها، وممارساتها الرمزية، وهو ما يتطلب إعادة النظر في مناهج التعليم، الإعلام، والسياسات اللغوية.

4. رهان الأمن الثقافي

لا يمكن اختزال الأمن في بعده العسكري أو الاقتصادي فقط، بل يجب تأمين الفضاء الرمزي من التهميش والاستلاب الثقافي. فالمجتمع الذي يشعر بأن ثقافته غير معترف بها يصبح هشاً أمام التطرف أو الانفجار الهوياتي.

ثالثاً: السياسة الثقافية للدولة الديمقراطية

في الدول الديمقراطية، السياسة الثقافية ليست مجرد دعم للفن والمسرح، بل هي سياسة عمومية ذات طابع استراتيجي، تتأسس على:

1. الاعتراف بالتعدد

تشمل السياسة الثقافية الناجحة الاعتراف الدستوري باللغات والثقافات المتعددة، كما في النموذج الكندي أو السويسري.

2. ضمان حرية التعبير والإبداع

الدولة الديمقراطية لا تفرض رقابة على الإبداع، بل تؤمّن له شروط الدعم والانتشار، وتحمي المثقف من الضغط السياسي أو الديني أو التجاري.

3. اللامركزية الثقافية

يجب أن لا تتركز الثقافة في العاصمة أو لدى النخب. فالمسارح والمكتبات ودور الثقافة يجب أن تنتشر في القرى والهوامش، لإرساء ديمقراطية ثقافية فعلية.

4. ربط الثقافة بالتنمية

الثقافة ليست ترفاً. بل هي شرط ضروري لتنمية الإنسان، وتعزيز المواطنة، ومواجهة الفقر الرمزي والاغتراب.

رابعاً: تحديات السياسة الثقافية

رغم النوايا المعلنة، تواجه السياسة الثقافية عدة معوّقات:

  • نخب مركزية متحكمة لا تمثل سوى فئة معينة من المجتمع.

  • تدخلات سياسية أو إيديولوجية في المجال الثقافي.

  • ضعف الميزانيات المخصصة للثقافة مقارنة بقطاعات أخرى.

  • غياب الرؤية الاستراتيجية التي تدمج الثقافة في المشروع الوطني العام.

خاتمة

إن رهان المسألة الثقافية في الدولة الوطنية الديمقراطية ليس ترفاً فكرياً، بل هو رهان وجودي يتعلق بمستقبل العيش المشترك، ومدى قدرة الدولة على دمج مكوناتها في مشروع وطني جامع. ويتطلب ذلك سياسة ثقافية واعية، تقوم على الاعتراف، العدالة، الحرية، والتعدد، وتؤمن بأن الثقافة ليست فقط ما ننتجه من كتب وأفلام، بل هي أيضا ما نختاره لنكونه كمجتمع وكوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صورة لها تاريخ

صورة لها تاريخ